ملخص الخطبة:
1- شروط وجوب الصوم.
2- ترغيب الصغير في الصوم.
3- لا صوم على المجنون وفاقد الذاكرة.
4- حكم العاجز عن الصوم.
5- صوم المسافر.
6- صوم المريض.
7- وجوب الفطر على الحائض.
8- صوم الحامل والمرضع.
9- الصيام أمانة.
10- مفسدات الصيام.
11- ما لا يفسد الصوم.
12- ما يخصّ المرأة من أحكام الصيام.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70 – 71]. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. اعلموا أن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، تفقه المسلم في دينه أمر مطلوب، ليعبد الله على بصيرة، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))[1].
أيها المسلم، إن الله جل وعلا قال في كتابه العزيز: ﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة:183، 184]، وقال: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة:185].
أيها المسلم، في هذه الآيات بيان أحوال الناس في رمضان، وأنهم متفاوتون في ذلك.
فأولاً: المسلم البالغ العاقل القادر على الصيام السالم من كل الموانع المقيم أوجب الله عليه صيام رمضان أداءً، وهو أحد أركان الإسلام، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وهذا بإجماع أهل الإسلام.
ثانياً: إن الله تعالى لم يطالب بهذه العبادة إلا من التزم شريعة الإسلام، فمن لم يكن موحِّداً لله فإنه لا يطالب بأركان الإسلام، حتى يعبد الله حقاً، وينقاد لشريعة الإسلام.
وأما الصغير غير البالغ فإنه لا يطالب به فرضاً، ولكنه يُرغّب فيه، ويُحث عليه، حتى ينشأ محباً للصيام، عارفاً للصيام، فلقد كان أصحاب محمدٍ يُصوِّمون صبيانهم ويعطونهم اللعب من العهن، لكي يشتغلوا به عن طلب الطعام والشراب[2].
فإذا لم يكن الصوم يشق عليه، ويضرّ به، فكونه يُعوَّد على الصيام ترغيباً فيه، ولذا قال: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر))[3].
وفاقد العقل لا يخاطب به، لأن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ.
وأما الذي فقد ذاكرته، بأن أصابه الهرم سريعاً، ففقد ذاكرته، وأصبح يذري بما لا يدري، ولا يتصوّر الواقع، ولا يعلم في أي حال، فقد ذاكرته وعظم نسيانه، وقل ذكره، وأصبح لا يعرف شيئاً، ولا يميّز بالأحوال، سواء كان عن كبر أو كان لغير ذلك، إنما هو ذو هذيان لا يعقل ولا يدري، وفاقد الذاكرة، فهذا لا شيء عليه، لا إطعام ولا صيام، لأنه فاقد الذاكرة، وقلم التكليف مرفوع عنه.
وأما الذي يعجزه الصيام لكبر سنه، أو أنه مصاب بمرض أعجزه عن الصيام، فإن الله يقول: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة:183، 184]، فهذا يُطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، أفطر أنس بن مالك رضي الله عنه لما جاوز المئة قبل موته بسنتين، وكان يطعم عن كل يوم بُراً ولحماً عن كل يوم مسكيناً[4].
وهذا من سعة الله وتيسيره، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].
وأما المسافر، فالله يقول: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وأجمع المسلمون على أن للمسافر أن يفطر في سفره، هذا حُكم الله الذي دل عليه كتابه العزيز، وسنة محمد، فله أن يفطر في سفر ولا يستطيع أحد أن ينكر عليه، لأن هذا حكم الله الذي نطق به القرآن: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ [البقرة:184]. ولكن من صام في سفره فلا ينكر عليه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نسافر مع رسول الله فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم[5]، وسأل حمزة الأسلمي النبي قائلاً: يا رسول الله، إن لي جملاً أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه يدركني هذا الشهر وأنا شاب أجد القوة على الصيام، وإني لو أفطرت شق علي القضاء، أفأصوم؟ قال: ((كل ذلك لك يا حمزة))[6]، فخيّره بين الصيام والفطر. ولكن قال العلماء رحمهم الله: إن مجموع الأدلة تدل على أن المسافر الأصل جواز الفطر له، ولكن يستحب أن يفطر إن شق عليه الصوم في السفر أخذاً برخصة الله، يقول: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته))[7].
فإذا شق الصوم عليه في السفر جاز له الفطر بلا إشكال، وإن تساوى الأمران عنده، ورأى أن الصوم أولى له حتى يسلم من تبعات القضاء فله ذلك، ولهذا النبي صام في السفر وأفطر[8]، ولما دنا من عدوه أمر الصحابة أن يفطروا، وقال: ((إنكم ملاقو عدوكم غداً والفطر أقوى لكم))[9].
وأما المريض فإن المريض لا يخلو من أحوال: إما أن يكون هذا المرض يسيراً، لا يؤثر عليه في صيامه، ولا يضعف نشاطه، فإن الواجب عليه أن يصوم، لأنه لا عذر له، وهي أمراض يسيرة، صداع، وجع في الضرس، وغير ذلك من الأمور اليسيرة، فإن هذا يصوم ولا إشكال، ولكن لو كان الصوم مع المرض يُتعبه ويشق عليه من غير أن يُخاف عليه من الهلكة فإن السنة له أن يفطر أخذاً برخصة الله فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أي إذا أفطر.
وأما إن كان الصوم مع هذا المرض يُهدد حياته، وقيل: إن الصوم مع هذا المرض سبب للهلاك ولا يمكن أن يكون الصوم مع هذا المرض فإن الواجب عليه أن يفطر، لأن الله يقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [النساء:29]، ويقول: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة:195]، والرسول يقول: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه))[10].
أيها المسلم، والمرأة المسلمة إذا طرقها الحيض وجب عليها الفطر، ولو كان قبل الغروب بنصف ساعة ونحو ذلك، لأنه يحرم عليها الصوم وقت خروج الحيض، ولو كان خروجه قبل المغرب بدقائق، أفسد صومها ووجب عليها الفطر وقضاء ذلك اليوم الذي أفطرته.
والحامل إذا شق عليها الصوم، وكان الصوم سبباً لضعف الحمل ونحو ذلك أو ضعفها هي، أو كانت مُرضعة إذا صامت ضعف إدرار الثدي للطفل، فإنها تفطر وتقضي يوماً مقامه، فإن كان لأجل الطفل قضت ويستحب أن تطعم مع القضاء إن كان فطرها لأجل طفلها، وإن كان لأجل ذاتها فإنها تقضي فقط.
وأبيح الفطر لمن احتاج إليه، لإنقاذ معصوم من هلكة، ومساعدة في كوارث ونحو ذلك، لأن هذا الدين جاء بكل يسر وكل خير.
أيها الصائم المسلم، إنك مؤتمن على صيامك، كما أنت مؤتمن على طهارتك وصلاتك وزكاتك وحجك، فالصوم أمانة عندك، وسرّ بينك وبين ربك، لا يطّلع عليه إلا الله، ولذا عظم جزاؤه وكثر خيره، فالصوم أمانة بينك وبين ربك.
أجمع المسلمون على أن من تعمد الأكل في نهار رمضان، أو تعمد الشرب في نهار رمضان، أو تعمد إتيان زوجته بعد طلوع الفجر الثاني فإن صومه فاسد، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين.
فيا أيها المسلم، اتق الله في صيامك، وصنه عن المفسدات والمنقصات. اعلم – أخي – أن إتيان المرأة في رمضان أمر محرم شرعاً، إتيان الرجل امرأته في نهار رمضان أمر محرم شرعاً، لأن الله جل وعلا قال لنا: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ [البقرة:187]، فأباح ذلك في الليل، وحرم على المسلم ذلك في النهار، فمن اقترف هذه الجريمة، فقد عصا الله على بصيرة، فواجبه التوبة إلى الله، وقضاء ذلك اليوم، والإتيان بالكفارة المغلظة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: بينما النبي بمسجده إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما ذاك؟)) قال: أصبت امرأتي في رمضان، قال: ((هل تجد أن تعتق رقبة؟)) قال: لا، قال: ((هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟)) قال: لا، قال: ((هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟)) قال: لا، فسكت النبي، ثم جيء بمكتل فيه تمر يسع قريب خمسة عشر صاعاً، تصدق به رجل من المسلمين في المسجد، فقال: ((أين السائل؟)) قال: ها أنا، قال: ((خذ وتصدق به)) قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! والله ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك حتى بدت نواجذه[11]، ضحك لأن الرجل جاء أولاً يريد الخلاص، والآن طمع في ذلك الطعام لنفسه، ولكنه أمام الرؤوف بأمته، الشفيق على أمته، الحريص على هدايتهم بالأخلاق العالية الكاملة، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4]، ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة:128]، جاء سائلا فما أنّبه، وجاء مريداً للخلاص فما أنّبه، صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.
إذاً فيا أخي المسلم، اعلم أن هذا من كبائر الذنوب، فابتعد عن كل ذلك وما يفضي إليه من الوسائل، حفاظاً على صومك الذي ائتمنك الله عليه.
أيها المسلم، ما يقوم مقام الأكل والشرب من تلك المغذيات التي توضع على المريض لتعوضه عن طلب الطعام والشراب فتلك أيضاً مفطّرة للصائم.
أيها المسلم، إن حقن الدم في المريض في نهار رمضان هذا يفطر صومه إذ الدم غذاءٌ للإنسان، أما إخراج الدم من طريق الحجامة فإن النبي قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) [12]، فإخراج الدم من طريق الحجامة أو سحب دم كثير لإسعاف المريض مضطر إليه، اضطررت إلى إسعافه بالدم، فأسعفته بدم كثير، فإنك تقضي هذا اليوم لأن ذلك يضعفك عن مواصلة الصيام.
أخي المسلم، إن محاولة إخراج المادة المنوية من الإنسان في نهار رمضان بسبب منه، هذا مفطر لصيامه، وهي العادة المستهجنة القبيحة، ما يسمونها بالعادة السرية، فإنها ضارة ومع ضررها فهي مفطرة للصائم إذا استعملها.
أما خروج المني من طريق احتلام في النوم، أو تفكير عرض له فإن ذلك معفو عنه، لأن الاحتلام بغير اختياره، والنبي يقول: ((عفي لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه))[13].
خروج الدم من طريق الفم بالسعال، أو الأنف بالرعاف، أو الناسور أو جروح حصلت لك من غير اختيارك، فكل ذلك لا يؤثر على صيامك.
استعمالك القطرات في العين والأذن لا يُؤثر على صيامك، استعمال التحليل اليسير لا يؤثر على صيامك، استعمالك الإبر في العضل أو الوريد لا يؤثر على صيامك، قلع السن في رمضان لا يؤثر على صيامك، أما طلبك القيء ومحاولتك أن تستقيء فهذا يفسد صيامك، والنبي يقول: ((من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه))[14]، فأوجب على المسلم إذا طلب القيء لأمر ما عرض له أن يقضي هذا اليوم، وأما إن خرج القيء من غير اختياره وطلبه، فأمرٌ غالب عليه، فلا يلزمه القضاء.
فتفقهوا – إخواني – في دينكم، واعبدوا ربكم على بصيرة، واحفظوا صيامكم من كل ما يفسده وينقّص ثوابه.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والعون على كل خير إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً منه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيتها الأخت المسلمة، إن أحكام الشرع عام للمسلمين ذكورهم وإناثهم، ولكن هناك أشياء قد تكون متعلقة بالمرأة تخصها دون الرجال، وهذا من حكمة الله.
فأولاً: يعمد كثير من النساء في رمضان على تعاطي الحبوب المانعة للعادة الشهرية، وتعاطيها بسبب حرصهن على استكمال رمضان، أو أداء العمرة في شهر رمضان، هو مقصد حسن بلا شك.
لكن يعكر على هذا أن تعاطي هذه الحبوب بلا سبب يقتضيه، فيها ضرر على المرأة، وإضرار بها في صلاتها وصومها وحجها، لأن كثيراً من الأخوات قد يتعاطين هذه الحبوب من غير روية ومن غير استشارة طبيب مختص يقدر الأمور حق قدرها، وإنما تكون خبط عشواء، من غير روية وتأمل، فكم تضر وتحدث من الضرر ما لا يحصى، فعلى الأخت المسلمة أن تتبصر في أمر دينها، وأن لا تقدم على شيء قد يؤثر عليها.
أيتها المرأة المسلمة، إن بعض الأخوات قد يتعرضن في نهار رمضان إلى ما يسمونه بالتنظيف وهو إسقاط الجنين قبل أن يبْلغ الثمانين يوماً، إسقاط الجنين قبل أن يبلغ ثمانين يوماً لأسباب عرضت اقتضت ذلك، فإنا نقول: هذا لا يسمى نفاساً، ولا يمنع ذلك الدم الخارج الذي لم تجاوز المرأة ثمانين يوماً، هذا الدم نعتبره دم فساد، فعليها أن تصوم، ولو كان هذا الدم الفاسد معها.
ثالثاً: بعض أخواتنا المسلمات بأسباب تعاطي هذه العقاقير اضطربت عليهن عادتهن الشهرية، ما بين زيادة ونقصان، وأمور كثيرة، وهذا كله بأسباب هذا الأمر، فنقول أولاً: إن الشرع جعل الحيض مانعاً للصيام وللصلاة، وموجباً لقضاء الصوم دون الصلاة، قالت امرأة لأم المؤمنين: يا أم المؤمنين، ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك في عهد النبي، فنؤمر بقضاء الصوم ولا يؤمر بقضاء الصلاة[15]، لتكرر الصلاة كل شهر، فمن رحمة الله أن أسقط عن المرأة قضاء الصلاة، ولكن عند اضطراب العادة زيادةً ونقصاناً وخفاء ذلك على المرأة المسلمة، فالواجب عليها في أول الشهر أن تنظر، فإن تكن هذه العادة جاوزت خمسة عشر يوماً، فنحن على يقين أن هذا ليس بحيض، لأن أكثر الحيض عند العلماء أن يبلغ مع المرأة خمسة عشر يوماً، فإذا كان في الشهور الباقية أمر مضطرب عليها بين زيادة أو نقصان، فترجع إلى عادتها السابقة قبل الاختلاف، ففي ذلك احتياط لها، وإذا طهرت المرأة من حيضها قبل طلوع الفجر الثاني قبل أذان الفجر للصلاة، فعليها أن تمسك، وعليها الغسل ولو بعد طلوع الفجر، المهم أنها أصبحت ممن شهد شهر الصيام، فوجب عليها الإمساك، ولو جاءها الحيض بعد غروب الشمس ولو بدقيقة، فإن صومها ذلك اليوم صحيح ولا إشكال في ذلك.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، والعون على كل خير، وأن يوفقنا جميعاً لصالح الأقوال والأعمال، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد…
[1] أخرجه البخاري في فرض الخمس [3116]، ومسلم في الزكاة [1037] من حديث معاوية رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الصوم [1960]، ومسلم في الصيام [1136] عن الربيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها بنحوه.
[3] أخرجه أحمد [6689، 6756]، وأبو داود في الصلاة [495] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وله شاهد من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه بإسناد حسن، أخرجه أحمد [15339]، وأبو داود في الصلاة [494]، والترمذي في الصلاة [407] وقال: “حديث حسن صحيح”، وصححه ابن خزيمة [1002]، والحاكم (1/258)، ووافقه الذهبي، وانظر تخريج الحديث في الإرواء [247].
[4] علقه البخاري في كتاب التفسير، باب: أياما معدودات فمن كان منكم مريضاً… بنحوه بصيغة الجزم، ووصله عبد الرزاق في المصنف [7570] عن معمر عن ثابت قال: كبر أنس بن مالك حتى كان لا يطيق الصيام فكان يفطر ويطعم، ووصله أيضاً ابن سعد في الطبقات (7/18-19)، والطبراني في الكبير (675) من طريق هشام الدستوائي عن قتادة بنحوه، قال الهيثمي في المجمع (3/164): “رجاله رجال الصحيح”.
[5] أخرجه البخاري في الصوم [1947]، ومسلم في الصيام [1118].
[6] أخرجه أبو داود في الصوم [2403]، والحاكم (1/598)، والبيهقي (4/241)، وفي سنده حمزة بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي مجهول الحال كما في التقريب، لكن يشهد له ما أخرجه البخاري في الصوم [1942]، ومسلم في الصيام [1121] عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة الأسلمي سأل رسول الله فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: ((صم إن شئت، وأفطر إن شئت)).
[7] أخرجه أحمد [5866]، والبيهقي (3/140) من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان (2742)، وقال المنذري في الترغيب: “رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن. وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما”. وصححه الألباني على شرط مسلم. انظر: الإرواء [564].
[8] أخرجه البخاري في المغازي [4279]، ومسلم في الصيام [1113] عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9] أخرجه مسلم في الصيام [1120] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه.
[10] أخرجه البخاري في الإيمان [39] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه البخاري في الصوم [1936]، ومسلم في الصيام [1111].
[12] أخرجه أحمد [15857]، والترمذي في الصوم [774]، والطبراني في الكبير [4257] من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وصححه ابن خزيمة [1964]، وابن حبان [3535]، والحاكم (1/428)، وقال الترمذي: “وفي الباب عن علي وسعد وشداد بن أوس وثوبان وأسامة بن زيد وعائشة ومعقل بن سنان ويقال: ابن يسار وأبي هريرة وابن عباس وأبي موسى وبلال… وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج”.
[13] أخرجه ابن ماجه في الطلاق [2045] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: ((إن الله وضع عن أمتي…)) قال البوصيري في الزوائد: “إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع بدليل زيادة عبيد بن نمير في الطريق الثاني، وليس ببعيد أن يكون السقط من جهة الوليد بن مسلم فإنه كان يدلس”، والطريق المتصل أخرجه الدراقطني [497]، وصححه ابن حبان [1498]، والحاكم (2/198)، ووافقه الذهبي، وحسنه النووي في أربعينه، وصححه الألباني في الإرواء [82].
[14] أخرجه أحمد [10463]، وأبو داود في الصوم [2380]، والترمذي في الصوم [720]، والنسائي في الكبرى [3130]، وابن ماجه في الصيام [1676] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن الجارود [385]، وابن خزيمة [1960، 1961]، وابن حبان [3518]، والحاكم (1/426)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الإرواء [923].
[15] أخرجه البخاري في الحيض [321]، ومسلم في الحيض [335] واللفظ له.