قال تعالي : أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)سورة البقرة شهر رمضان شهر انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات احكام الشهر الفضيل واحكام الصيام والفتاوى الشرعية التى دائما تحير الجميع اليوم نتناول بعض هذة الفتاوي يجيب هذة الفتاوي في موقع ويكي العربي فضيله الشيخ محمد صالح المنجد الداعية الاسلامي فتابعونا .
السؤال
هل يجوز الصيام مع الإصابة بكورونا ؟
ملخص الجواب
المصاب بكورونا : مريض ، كسائر المرضى ؛ فإن كان الصوم يضره ، بزيادة المرض ، أو تأخر برئه، بشهادة طبيب ثقة، أو بشعوره هو بنفسه، وجب عليه الفطر. وإن كان لا يضره لكن تحصل له مشقة معتبرة بالصوم: أبيح له الفطر. لكن لا علاقة للفطر بالوقاية من المرض ، ولم يثبت ذلك أصلا ، ولم يقله عالم بالطب ، ولا من هو أهل للقول في ذلك ؛ فليحذر ما يشاع بين بعض الناس، من غير أصل علمي يعتمد عليه .
الجواب
الحمد لله.
أولا:
ليس هناك خصوصية لمرض كورونا تتعلق بالصوم ، ولا علاقة للصوم أو تركه ، بخصوص هذا المرض.
لكن المصاب بكورونا كغيره من المرضى، إن شق عليه الصوم مشقة ظاهرة، أبيح له الفطر؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أخَرَ البقرة/184
قال ابن حزم رحمه الله: “وَاتَّفَقُوا على أن من آذاه المَرَض ، وضعف عَن الصَّوم : فله أن يفطر” انتهى من مراتب الإجماع، ص40
ثانيا:
المريض له أحوال:
1-إذا كان مرضه يسيرا، لا يضره ولا يشق معه الصوم، كزكام أو صداع يسيرين. فهذا يجب عليه الصوم عند الجمهور، ويحرم عليه الفطر.
2-إذا كان المرض يشق معه الصوم، ولا يضره، فهذا يباح له الفطر إجماعا كما تقدم.
3-إذا كان المرض يخشى منه الهلاك: وجب الفطر عند الجمهور.
4-إذا كان المرض يضره، بزيادة مرضه أو طوله، ففيه خلاف: هل يسن له الفطر، أم يجب، والصحيح أنه يجب.
ومن الفقهاء من قيد وجوب الفطر بحصول الضرر الشديد.
قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/ 303): ” (قوله: لمن خاف زيادة المرض الفطر) لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [البقرة: 184] ؛ فإنه أباح الفطر لكل مريض .
لكن القطع بأن شرعية الفطر فيه ، إنما هو لدفع الحرج ، وتحقق الحرج منوط بزيادة المرض ، أو إبطاء البرء ، أو إفساد عضو .
ثم معرفة ذلك : باجتهاد المريض ، والاجتهاد غير مجرد الوهم ؛ بل هو غلبة الظن ، عن أمارة ، أو تجربة ، أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق ، وقيل عدالته – أي تحقق عدالة الطبيب المخبر بذلك – شرط…
وأشار باللام إلى أنه مخير بين الصوم والفطر ؛ لكن الفطر رخصة ، والصوم عزيمة ؛ فكان أفضل ، إلا إذا خاف الهلاك ، فالإفطار واجب . كذا في البدائع” انتهى.
وقال عليش في منح الجليل (2/ 150): ” (و) جاز الفطر (بمرض خاف) أي: تحقق ، أو ظن الصائم لتجربة ، في نفسه ، أو موافقة في المزاج ، أو إخبار عدل عارف بالطب : (زيادته) أي المرض بالصوم ، (أو تماديه) أي: المرض بتأخير البرء منه، أو حصل للمريض شدة ، وتعب بالصوم ، بلا زيادة ولا تماد.
ومفهوم “بمرض” أن خوف أصل المرض بصومه : لا يبيح الفطر ، وهو كذلك ؛ إذ لعله لا ينزل به .
وقيل : يبيحه.
(ووجب) الفطر على الصائم ، مريضا كان أو صحيحا : (إن خاف) أي تحقق ، أو ظن بما تقدم (هلاكا ، أو شديد أذى) بتلف منفعة كبصر بصومه؛ لأن حفظ النفس والمنافع واجب” انتهى.
وقال في مغني المحتاج (2/ 169): ” (ويباح تركه) بنية الترخص (للمريض) ، بالنص والإجماع : (إذا وجد به ضررا شديدا) وهو ما يبيح التيمم، وهذا ما في الشرحين والروضة، وعبارة المحرر: للمريض الذي يصعب عليه ، أو ينال به ضررا شديدا، فاقتضى الاكتفاء بأحدهما، وهو ، كما قال الإسنوي : الصواب. قال تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [النساء: 29] ، وقال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة: 195] … ويجب الفطر إذا خشي الهلاك كما صرح به الغزالي وغيره وجزم به الأذرعي” انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في الكافي (1/ 434): “المريض له الفطر وعليه القضاء لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] .
والمبيح للفطر: ما خيف من الصوم زيادته ، أو إبطاء برئه .
فأما ما لا أثر للصوم فيه ، كوجع الضرس والإصبع ونحوه : فلا يبيح الفطر؛ لأنه لا ضرر عليه في الصوم. ومن أصبح صائماً ، فمرض في النهار : فله الفطر؛ لأن الضرر موجود” انتهى.
والصحيح أنه إذا كان الصوم يضره، وجب عليه الفطر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “قوله: ويسن لمريض يضره : الضمير في قوله يسن يعود على الفطر، فإذا كان الإنسان مريضاً ، يضره الصوم : فالإفطار في حقه سنة، وذلك على ما قاله المؤلف ـ رحمه الله ـ .
وإن لم يفطر : فقد عدل عن رخصة الله ـ سبحانه وتعالى ـ ، والعدول عن رخصة الله خطأ، فالذي ينبغي للإنسان أن يقبل رخصة الله.
والصحيح : أنه إذا كان الصوم يضره : فإن الصوم حرام، والفطر واجب؛ لقول الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] ، والنهي هنا يشمل إزهاق الروح، ويشمل ما فيه الضرر.
والدليل على أنه يشمل ما فيه الضرر، حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ «عندما صلى بأصحابه وعليه جنابة، ولكنه خاف البرد فتيمم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله ذكرت قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] ، وإني خفت البرد، فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك».
والمريض له أحوال:
الأول: ألا يتأثر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحل له أن يفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحل له لعموم الآية وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا [البقرة: 185] ، ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلل بعلة، وهي أن يكون الفطر أرفق به ، فحينئذ نقول له الفطر، أما إذا كان لا يتأثر فإنه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم.
الحال الثانية: إذا كان يشق عليه الصوم ولا يضره، فهذا يكره له أن يصوم، ويسن له أن يفطر.
الحال الثالثة: إذا كان يشق عليه الصوم ويضره، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر، وما أشبه ذلك، فالصوم عليه حرام.
ولكن لو صام في هذه الحال هل يجزئه الصوم؟
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: لا يجزئه الصوم؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل للمريض عدة من أيام أخر، فلو صام في مرضه ، فهو كالقادر الذي صام في شعبان عن رمضان، فلا يجزئه ويجب عليه القضاء.
وقول أبي محمد هذا مبني على القاعدة المشهورة، أن ما نهي عنه لذاته ، فإنه لا يقع مجزئاً، فإذا قلنا بالتحريم ، فإنَّ مقتضى القواعد أنه إذا صام لا يجزئه؛ لأنه صام ما نهي عنه ، كالصوم في أيام التشريق، وأيام العيدين لا يحل، ولا يصح.
وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين من المرضى الذين يشق عليهم الصوم ، وربما يضرهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا ، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله ـ عزّ وجل ـ، ولم يقبلوا رخصته، وأضروا بأنفسهم، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29]” انتهى من الشرح الممتع (6/ 340).
وقال رحمه الله: “فإذا قال قائل: ما مقياس الضرر؟
قلنا: إن الضرر يُعلم بالحس، وقد يعلم بالخبر؛ أما بالحس فأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره، ويثير عليه الأوجاع، ويوجب تأخر البرء، وما أشبه ذلك.
وأما الخبر : فأن يخبره طبيب عالم ثقة بذلك، أي: بأنه يضره؛ فإن أخبره عامي ليس بطبيب ، فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير عالم، ولكنه متطبب، فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير ثقة فلا يأخذ بقوله.
وهل يشترط أن يكون مسلماً لكي نثق به؛ لأن غير المسلم لا يوثق؟
فيه قولان لأهل العلم، والصحيح أنه لا يشترط، وأننا متى وثقنا بقوله، عملنا بقوله في إسقاط الصيام؛ لأن هذه الأشياء صنعته، وقد يحافظ الكافر على صنعته وسمعته، فلا يقول إلا ما كان حقاً في اعتقاده، والنبي صلّى الله عليه وسلّم وثق بكافر في أعظم الحالات خطراً، وذلك حين هاجر من مكة إلى المدينة ، استأجر رجلاً مشركاً من بني الدَيَّل، يقال له: عبد الله بن أريقط؛ ليدله على الطريق ، وهذه المسألة خطرة؛ لأن قريشاً كانت تبحث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وجعلت مائة ناقة لمن يدل عليه، ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان واثقاً منه، فدل هذا على أن المشرك إذا وثقنا منه فإننا نأخذ بقوله” انتهى من الشرح الممتع (6/ 328).
والحاصل :
أن المصاب بكورونا : مريض ، كسائر المرضى ؛ فإن كان الصوم يضره ، بزيادة المرض ، أو تأخر برئه، بشهادة طبيب ثقة، أو بشعوره هو بنفسه، وجب عليه الفطر.
وإن كان لا يضره لكن تحصل له مشقة معتبرة بالصوم: أبيح له الفطر.
لكن لا علاقة للفطر بالوقاية من المرض ، ولم يثبت ذلك أصلا ، ولم يقله عالم بالطب ، ولا من هو أهل للقول في ذلك ؛ فليحذر ما يشاع بين بعض الناس، من غير أصل علمي يعتمد عليه .
والله أعلم.