القصص والحكايات من حولنا كثيرة ومليئة بالأحداث، ويبقي السؤال الدائم في عقولنا أيهما أفضل قصة عشناها بظروفها واحداثها أم قصة من نسج خيال كاتب، علينا أن ننوع ذائقتنا المعرفية حتي نسطيع الاجابة علي هذا التساؤل، من خلال موقع ويكي العربي نقدم لكم سلسلة من أجمل القصص والحكايات الشيقة تابعونا.
عبدالغني النعمان بشير علي من بلدة بسطة احدى قرى النعيم في محافظة معان جنوب الأردن، هذا الرجل كان معروفاً لدى الناس بالطيب والتقوى والورع والكرم والسماحة والرجولة، في يوم من الأيام وبينما كان عبدالغني النعمان يتجول في مدينة الزرقاء من اجل شراء بعض الحاجات في أواخر خمسينات القرن الماضي وفي أثناء مروره في سوق الصباغة، أصابه عطش شديد، فرأى امام احد المحلات زيرا ما (بُرْمة أو حِبْ ) فأراد ان يشرب منه ويروي عطشه، وعندما تناول الوعاء الموضوع على الزير وهم بغرف الماء جاء صاحب المحل فسحب الوعاء من يده بعصبية وقال له: شايفني فاتحها سبيل لك ولأشكالك؟ روح مع السلامة ما في عندي ماء لك، فترك عبدالغني النعمان الوعاء وقال: “جزاك الله خيرا”، وانصرف من دون ان يبلّ ريقه برشفة ماء.
وتمرّ الايام والسنين، وبعد عشرون عاماً من تلك الحادثة وبينما كان عبدالغني النعمان نفسه يتجول في سوق البدو في مدينة معان استوقفه رجل غريب وقال له: لو سمحت انا رجل صبّاغ من مناطق الشمال وابحث عن اصحاب الاغنام والذين يريدون صبغ الصوف ولكني لا اعرف احدا في هذه المنطقة، وعندما دقق عبدالغني النعمان في وجه الرجل واذا به الرجل نفسه الذي منعه من شرب الماء قبل 20عاما، فقال له: تعال معي لبيتي في بلدة بسطة، وسأدلك على اصحاب الاغنام، فذهب الرجل معه الى بيته، وبعد ان قام بواجبه واكرامه قال له: انت ضيفي حتى تنتهي من كامل عملك في هذه المنطقة فوافق الصباغ وبقي عند عبدالغني النعمان 25 يوماً، يذهب في النهار ويصبغ عند الناس ويعود ليلاً يأكل ويشرب وينام في بيت عبدالغني النعمان
وعندما انهى الصباغ عمله واراد ان يعود إلى مدينة الزرقاء قال عبدالغني النعمان . يا أبا عبدالله، لقد استضفتني واكرمتني في بيتك طول هذه المدة وسهلت مهمتي لذلك لن اتحرك من هنا الا بعد ان تعاهدني بالله ان تزورني في اقرب وقت انت واولادك لأنّ ما قمت به انت من خدمة لي ومعروف لا ينسى وهو ديْن في رقبتي ورقبة اولادي واحفادي الى يوم القيامة، فقال له عبدالغني النعمان : توكل على الله يا ابن الحلال، لم نفعل شيء، وما قمنا به هو حق الضيافة فقط، فأصر الرجل والحّ على عبدالغني النعمان ان يأخذ عنوان محله، وان يزوره في القريب العاجل. فقال عبدالغني النعمان : انا اعرف محلك جيدا، ووصف للصباغ محله، فقال الصباغ: نعم هذا هو وصف محلي ! ولكن كيف عرفته ووصفته؟
حينها تبسم عبدالغني النعمان وقال له: لقد جئتك في محلك وقمت معي انت بالواجب.
فقال الرجل اين ومتى، فانا لا اذكر انك جئتني او التقيت بك من قبل؟
فقال عبدالغني النعمان : بل التقينا، الا تذكر ذاك البدوي الذي منعته من شرب الماء! وسحبت الوعاء من يده وقلت له: ماني فاتحها سبيل لك ولأشكالك، وشححت عليه بشربة ماء؟
فذاك هو انا ذاك البدوي بشحمه ولحمه.
عند ذلك صعق الرجل وضرب بكلتا يديه على رأسه وجثا على ركبتيه امام عبدالغني النعمان وصاح: “يا الهي ياالهي” امعقول هذا؟ مستحيل يا رجل، اتستضيف في بيتك رجلا بخل عليك بخمجة ماء وتبقيه عندك لمدة 25 يوما من دون كلل ولا ملل منك وبكل رحابة صدر ؟!.
فقال عبدالغني النعمان : توكل على الله يا ابن أخي، فنحن لم نتعود ان نقابل الاساءه بالاساءة، فجعل الصباغ يبكي ويقبل يد عبدالغني النعمان ويقول له: سامحني ياعم، فقال له عبدالغني النعمان: انا مسامحك بس اعلم يا بن أخي ان الدنيا دوّارة، يوم لك ويوم عليك، وانه لا بد للانسان ان يحتاج إلى أخيه الانسان ولو بعد حين، الناس للناس والكل بالله.
قال الشاعر:
الناس للناس ما دام الوفاء بهم
والعسر واليسر اوقات وساعات.
واكرم الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات.
لا تقطعنّ يد المعروف عن احد
ما دمت تقدر والأيام تارات.
واذكر فضيلة صنع الله اذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات.
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات.
قال تعالى: ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ).
الأغنياء يصبحون فقراء، والفقراء يصبحون أغنياء، وضعفاء الأمس أقوياء اليوم، وحكّام الأمس مشرّدو اليوم، والغالبون مغلوبون، والفلك دوار، والحياة لا تقف، والحوادث لا تكف عن الجريان، والناس يتبادلون الكراسي، ولا حزن يستمر ولا فرح يدوم.
يتم
ولله در أبي الفتح البستي ورحمه الله حين قال :
لا تحسبن سرورا دائما أبدا
من سرّه زمن ساءته أزمان.
☘️مساءكم فرح☘️